مظاهر الودّ ليست دائماً دليلاً على المحبّة

مظاهر الودّ
خاطرة مظاهر الودّ

مظاهر الودّ ليست دائماً دليلاً على النية الطيبة، فهناك من يجيد التلاعب بالكلمات وتقديم الطيبة ليقترب منك، حتى إذا ما حانت اللحظة المناسبة، وجدتها سكيناً في ظهرك.

مظاهر الودّ ليست دائماً مرآة للنيّة

في هذا العالم المليء بالأقنعة المتقنة، أصبحت لغة العيون محتالة، وابتسامات الوجوه مسرحيّة الطابع، وما عادت الكلمة الطيّبة تعني السلام، بل كثيراً ما تكون السهم الأوّل في معركة الغدر، وكثيراً ما يأتيك من يطلب ودّك لا لشيء سوى ليتوسّل الطريق إلى ضعفك، فيدسّ أنيابه بين ضلوعك حين تغفو بثقة.

لم يعد يكفي أن يُظهر أحدهم مودّته لتمنحه مفاتيحك، فليس كل من قال لك: "أنا أحبك"، صادقٌ في محبّته، وليس كل من مدحك أراد خيرك، بعضهم يُتقن فنّ التقرّب كي يتسلل إليك، كما تفعل الأفعى حين تحتضن ضحيّتها، فتمنحها وهم الأمان قبل أن تلتفّ حولها وتنقضّ.

إنّ الخطر الحقيقي لا يكمن في الأعداء المعلنين، بل في أولئك الذين يُتقنون التخفي بين خيوط القرب، أولئك الذين يعرفون متى يبتسمون، ومتى يضعون يدهم على كتفك، ومتى يصغون لهمومك ليجمعوها سلاحاً عليك في يوم الخذلان، فهم لا يدخلون من الباب بل يتسلّلون من النوافذ التي فتحتها لهم بنفسك بحسن نيّة، ونقاء قلب، وثقة لم تكن في موضعها.

لقد أصبحنا نعيش في عالمٍ يتكلّف فيه الناس الودّ كما يتكلّفون الأزياء، يتبدّلون حسب المقام، وحسب الفائدة، يقتربون حين يُدركون فيك ضعفاً، ويبتعدون حين تشتدّ، ثم يعودون على هيئة حنين كاذب، وفي جعبتهم خناجر مؤجّلة، لا لتقتل الجسد، بل لتثقب الروح.

وما أكثر من قال لك: "أنا معك"، ثم مضى حين احتجت إليه، وما أكثر من غمرَك بعاطفة مصطنعة كي يسرق منك شيئاً ما، وقتاً، مالاً، سرّاً، مكانة، ثم رماك بعد أن نال مراده، كأنك محطّة مرّ بها في رحلة غايتها ذاته لا قلبك.

في مديح الحذر ومداراة الثقة

الحذر ليس عيباً، بل درعٌ للطيّبين في زمنٍ تكسّرت فيه المعايير، فالثقة يجب أن تُبنى كما يُبنى البيت، لا تُمنَح كما تُرمى التحايا، والثقة إن لم تكن في محلّها، تنقلب نقمة على صاحبها، كم من قلبٍ صادقٍ تحوّل إلى خرابٍ بسبب سذاجة في منح الثقة لمن لا يستحقّ.

كن قريباً من الناس، نعم، لكن لا تنزع عن قلبك سترَ التروّي، لا تسمح لأيّ عابرٍ أن يقرأ دفاترك دون أن يمتحنه الوقت والمواقف، ولا تجعل طيبتك مطيّة لأحد، فإنك إن فعلت، رأيت الوِدّ يتحوّل إلى لعنة، والحنان إلى فخ، والخسارة تكون دائماً من رصيدك.

احفظ سرّك، وراقب من حولك، ولا تنخدع بكثرة من يصفّق لك، فبعض التصفيق ليس احتفاء، بل تمهيداً للسقوط، وبعض القرب ليس دفئاً، بل نذير بردٍ آتٍ.

في النهاية أقول احفظ قلبك، وكن طيباً لكن فطناً، واسعَ في الخير لكن لا تخلع درعك، ولا تُسلّم مفاتيحك الأولى لأيّ قادمٍ بابتسامة، واجعل لنفسك في كل علاقة ميزاناً، لا تظلم فيه أحداً، ولا تظلم فيه نفسك.

فإنّ أولئك الذين يظهرون لك الودّ سريعاً، هم أحياناً أول من يختفون عند أول وجع، وأحياناً أخرى أول من يطعنون عند أول فرصة.

ولن تجد خيانةً أقسى من تلك التي جاءت من يدٍ ظننتها لك ولا وجعاً أعمق من ذلك الذي نبت من جذور الطمأنينة الكاذبة ولا لدغةً أمرّ من تلك التي تأتيك بعد عناق، لا تمنح ثقتك بسهولة لأيّ شخص لمجرّد أنه أظهر لك وداً فالأفعى تحتضن الضحيّة قبل التهامها.

تمت الكتابة بواسطة: حسيب أورفه لي.

موقع محترفين العرب
موقع محترفين العرب
موقع محترفين العرب البوابة الشاملة للمحتوى العربي بكل جوانبه ومجالاته.
تعليقات