![]() |
قصة صمود |
في أزقَّةِ الفقرِ، حيثُ تتوارى الضحكاتُ خجلاً، أنقلُ لكم قصةَ صمودٍ، قصةَ طفلٍ حافي القدمينِ واجهَ الحرمانَ فصنعَ من أشواكِهِ طريقاً إلى العزةِ.
قصة صمود - طفولةٌ مكلومةٌ بالكفوفِ
منذُ أن كنتُ ولداً صغيراً، وأنا أتلقَّى كفوفَ الدنيا بكلِّ قسوتِها، كأنَّها أقسمتْ أن تُعلِّمني دروسَ الحياةِ على طريقتِها العنيفةِ، لم يبقَ كفٌّ إلا وذقتُهُ، ولا ضربةٌ إلا وأصابتْني في مقتلٍ، كنتُ أرى الأطفالَ من حولي يلعبونَ ويضحكونَ، بينما أنا أبحثُ عن لقمةٍ تُسكتُ جوعَ بطني، أو عن زاويةٍ تُؤويني من بردِ الليالي.
كانتْ طفولتي كالأرضِ اليبابِ، لا ماءَ فيها ولا ظلَّ، وكلُّ ما فيها من زرعٍ هوَ أشواكُ الحرمانِ التي تنغرسُ في قلبي الصغيرِ، كنتُ أسمعُ صوتَ الفقرِ يُزمجرُ في أذني كلَّ ليلةٍ، وأرى القهرَ يتربَّصُ بي في كلِّ زاويةٍ، ومعَ ذلكَ كنتُ أحلمُ، أحلمُ بيومٍ أقفُ فيهِ على قدميَّ، أواجهُ الدنيا دونَ أن أنحنيَ.
كانتْ أمِّي، تلكَ المرأةُ الطيبةُ، تُحاولُ أن تُخفِّفَ عنِّي وطأةَ الأيامِ، لكنَّ يدَها المجروحةَ من العملِ الشاقِّ لم تكنْ تُطعمُنا إلا القليلَ، كنتُ أراها تُخفي دموعَها عنِّي، لكنِّي كنتُ أسمعُ بكاءَها في الليلِ، وهيَ تُحدِّثُ نفسَها: "يا ربِّ، متى تفرجُها؟" وكنتُ أعاهدُ نفسي أنِّي سأكونُ يوماً ذلكَ الفرجَ الذي تنتظرُهُ، سأكونُ الرجلَ الذي يُعيدُ لها ابتسامتَها التي سلبَها الزمنُ.
ظروفٌ تطحنُ العظامَ
مرَّتْ عليَّ ظروفٌ لا يُطيقُها إلا من صُنعَ من حديدٍ، الفقرُ كانَ رفيقَ دربي، يُرافقُني في كلِّ خطوةٍ، يُذكِّرُني أنِّي لا أملكُ شيئاً سوى إرادتي، كنتُ أرى الجوعَ في عيونِ إخوتي الصغارِ، وأشعرُ بهِ يعتصرُ معدتي كلَّ يومٍ، لكنِّي لم أكنْ أملكُ إلا أن أُقاومَ، كانَ الحرمانُ يُعلِّمني دروساً قاسيةً، فلم أعرفْ طعمَ اللعبِ كما يعرفُهُ الأطفالُ، ولم أذقْ دفءَ الملابسِ الجديدةِ في عيدٍ، بل كنتُ أرتدي ما يُلقيهِ الآخرونَ، وأشكرُ اللهَ أنِّي لم أبقَ عارياً.
والقهرُ، يا سادةُ، كانَ أقسى ما مرَّ عليَّ، كنتُ أرى أحلامي تتحطَّمُ أمامَ عينيَّ كلَّ يومٍ، وأسمعُ صوتَ الدنيا وهيَ تُردِّدُ: "لستَ شيئاً، ولن تكونَ شيئاً!" كنتُ أُحرمُ من التعليمِ لأنَّ الفقرَ لا يعرفُ الرحمةَ، وكنتُ أعملُ في سنٍّ مبكرةٍ، أحملُ أثقالاً تكسرُ ظهري، وأسمعُ كلاماً جارحاً من أناسٍ لا يعرفونَ معنى أن تكونَ إنساناً بلا حولٍ ولا قوةٍ، لكنَّ القهرَ، رغمَ قسوتِهِ، كانَ يُعلِّمني الصبرَ، ويُشعلُ في قلبي نارَ العزيمةِ التي لم تنطفئْ يوماً.
الدنيا تطحنُني، لكنِّي لا أنكسرُ
طحنتني الدنيا طحناً، كأنَّها رحى لا تتوقَّفُ، تُديرُها أيادي الظروفِ بلا رحمةٍ، كنتُ أشعرُ أنَّ عظامي تتكسَّرُ تحتَ وطأةِ الأيامِ، وأنَّ قلبي يُمزَّقُ بينَ الحرمانِ والأملِ، كنتُ أسيرُ في طرقاتِ الحياةِ حافيَ القدمينِ، والأشواكُ تُدمي أقدامي، لكنِّي لم أتوقَّفْ، كنتُ أسمعُ صوتَ اليأسِ يُناديني: "استسلمْ، فأنتَ لا شيءَ!" لكنِّي كنتُ أُجيبُهُ في نفسي: "سأكونُ شيئاً، سأكونُ رجلاً يُحسبُ لهُ ألفُ حسابٍ!".
كانتْ الليالي الباردةُ تُعلِّمني معنى الصمودِ، والأيامُ القاسيةُ تُدرِّبني على التحدِّي، كنتُ أرى الظلمَ يُحيطُ بي من كلِّ جانبٍ، وأسمعُ كلامَ الناسِ كالسياطِ يلهبُ ظهري، لكنِّي لم أنحنِ، كنتُ أعلمُ أنَّ الدنيا لا تُعطي شيئاً بسهولةٍ، وأنَّ من يُريدُ أن يصلَ إلى القمةِ عليهِ أن يتسلَّقَ جبالاً من الألمِ، وهكذا، صنعتْني الدنيا بقسوتِها، لكنَّها لم تكسرْني، بل جعلتني أقوى، وأكثرَ إصراراً على أن أُثبتَ لها أنِّي لستُ ضعيفاً.
واقفٌ على رجليَّ، أواجهُ الدنيا
ورغمَ كلِّ ما مرَّ عليَّ، ها أنا اليومَ واقفٌ على رجليَّ، أواجهُ الدنيا بقلبٍ لا يعرفُ الخوفَ، لقد علَّمتني الكفوفُ التي تلقَّيتُها أنَّ الحياةَ لا تُعطي إلا لمن يُقاتلُ من أجلِها، وأنَّ الفقرَ والجوعَ والحرمانَ ليستْ نهايةَ الطريقِ، بل هيَ بدايةُ قصةِ نجاحٍ لمن يملكُ الإرادةَ، لم أعدْ ذلكَ الطفلَ الصغيرَ الذي يبكي في الزوايا، بل أصبحتُ رجلاً يعرفُ كيفَ يُحوِّلُ الألمَ إلى قوةٍ، والقهرَ إلى تحدٍّ.
اليومَ، أنظرُ إلى الوراءِ فأرى كلَّ تلكَ الظروفِ التي مرَّتْ، وأبتسمُ، لأنِّي أعلمُ أنَّها هيَ من صنعتْني، أصبحتُ قادراً على مواجهةِ الدنيا، لا أخشى كفوفَها بعدَ الآنَ، بل أُواجهُها بصدرٍ مفتوحٍ، وأقولُ لها: "ها أنا ذا، لم تُهزمني، بل جعلتني أقوى!" أعملُ بجدٍّ، وأبني حياتي بيديَّ، وأحمدُ اللهَ أنِّي لم أستسلمْ يوماً، وأنِّي اخترتُ أن أكونَ واقفاً، مهما كانتِ الصعوباتُ.
الصمودُ هوَ الانتصارُ
في النهاية أيها القارئُ أقولُ لكَ إنَّ الدنيا لا تُعطي شيئاً بسهولةٍ، وإنَّ الكفوفَ التي نتلقَّاها ليستْ لتُهزمنا، بل لتُعلِّمنا كيفَ نقاومُ، أكتبُ لكم قصة الصمود لأقولَ إنَّ الفقرَ والجوعَ والحرمانَ ليستْ نهايةَ المطافِ، بل هيَ بدايةُ طريقٍ طويلٍ يقودُ إلى الصمودِ والنجاحِ.
إنْ كنتَ تمرُّ بظروفٍ قاسيةٍ، فلا تستسلمْ، بل قاومْ، واعلمْ أنَّ كلَّ كفٍّ تتلقَّاهُ هوَ درسٌ يُقوِّيكَ، وتذكَّرْ دائماً أنَّ من يقفُ على رجليهِ بعدَ كلِّ سقوطٍ، هوَ المنتصرُ الحقيقيُّ في معركةِ الحياةِ.
إنَّ هذهِ القصةَ من وحي الخيالِ، نُسجتْ خيوطُها من أفكارٍ تُصوِّرُ معاناةَ إنسانٍ وصمودَهُ، لتكونَ مرآةً لما قد يُواجهُهُ البعضُ في دروبِ الوجودِ.
تمت الكتابة بواسطة: حسيب أورفه لي.
هل كان المحتوى مفيداً؟ أم تريد الإبلاغ عن خطأ، رأيك يهمنا وتعليقك يفيد الموقع