قصة الشجرة التي تكتب القصص

قصة الشجرة
خاطرة قصة الشجرة

في قرية نائية، حيث الرياح تهمس بالأسرار، اكتشفت نور شجرة عجيبة، فتألقت أوراقها بحكايات لم تروَ، تدعوها لمغامرة تغير مصيرها إلى الأبد، تعرفوا على قصة الشجرة.

بداية قصة الشجرة

في قرية هادئة تحيط بها الحقول الخضراء، كانت نور، فتاة في العشرين من عمرها، تملك قلباً شغوفاً بالحكايات، كانت تحب أن تتجول في الحديقة الخلفية لمنزلها القديم، حيث الزهور تتمايل مع النسيم والطيور تغرد ألحاناً عذبة، في صباح مشمس، بينما كانت تتأمل الورود، لمحت شيئاً غريباً في زاوية الحديقة، شجرة عجيبة، لم تر مثلها من قبل، تقف شامخة كأنها تنبض بالحياة، أغصانها متشابكة، وأوراقها تتلألأ تحت أشعة الشمس كأنها مرصعة بالماس.

اقتربت نور بحذر، قلبها يخفق فضولاً ما أثار دهشتها لم يكن شكل الشجرة فحسب، بل كانت الأوراق نفسها، بعضها كان مزيناً بخطوط غريبة، حروف متعرجة لم تعهدها لغة بشرية، اقتربت أكثر، فتبين لها أن تلك الحروف ليست مجرد زخارف، بل كلمات تشكل قصصاً لم ترو بعد، قرأت بصوت خافت:

"في زمن بعيد، حيث النجوم تهمس للأرض..." توقفت، إذ شعرت بأن الشجرة تراقبها، كأنها تدعوها للغوص في أسرارها.

اللمسة الأولى

مدت نور يدها بتردد، وما إن لامست إحدى الأوراق حتى شعرت بدفق غريب يسري في عروقها، كأن الزمن توقف، والعالم من حولها ذاب في ضباب خفيف، أغمضت عينيها غريزياً، وعندما فتحتهما، كانت الأوراق تتحرك، تتلألأ، وتكتب كلمات جديدة أمام عينيها، الكلمات تشكلت بسرعة، كأن يداً خفية تدون قصة لم تكتب بعد.

فجأة، شعرت نور بدوار خفيف، ثم انزلقت إلى عالم آخر، لم تكن في الحديقة بعد الآن، وقفت في مكان غريب، حيث السماء مكسوة بغيوم بنفسجية، والأرض مغطاة بعشب يضيء بلون أخضر متوهج، أدركت أنها لم تعد مجرد قارئة، بل أصبحت جزءاً من القصة التي كتبتها الشجرة.

دخول القصة

نظرت نور حولها بدهشة كانت في غابة واسعة، أشجارها طويلة تصل إلى السماء، ومن بين أغصانها تطير مخلوقات صغيرة تشبه الفراشات، لكن أجنحتها من نار لا تحرق، سمعت صوت خرير ماء بعيد، وفي الأفق، رأت جبلاً يعانق السحاب لكن ما أثار قلقها كان شعورها بأنها ليست وحدها، عينان خفيتان تراقبانها من بعيد.

خطت نور خطواتها الأولى بحذر، تحسس طريقها عبر الممر العشبي، فجأة، توقفت عندما سمعت صوتاً خافتاً، كأنه همسة:

"مرحباً بك، يا ابنة القصص...".

استدارت بسرعة، لكن لم تجد أحداً، قررت أن تتبع الصوت، فوجدت نفسها أمام لوحة حجرية منقوشة برموز غامضة، كانت اللوحة تتوسط دائرة من الحجارة، وفي وسطها رمز يشبه الشجرة التي رأتها في حديقتها، أدركت نور أن هذه اللوحة هي بداية اللغز، وأن عليها حله لتكمل القصة.

لقاء نور مع شخصية غامضة

بينما كانت نور تتفحص اللوحة، ظهر من العدم مخلوق ضبابي، جسده شفاف كالدخان، وعيناه تلمعان كنجمتين، تحدث بصوت عميق يحمل صدى الأزمنة القديمة:

"أنت نور، أليس كذلك؟ لقد اختارتك الشجرة".

ارتجفت نور، لكنها تماسكت وسألته: "من أنت؟ وما هذا المكان؟".

أجاب المخلوق: "أنا حارس القصص، وهذا العالم هو قلب قصة تتلاشى، إن لم تعيدي القصة إلى مسارها، ستختفي، وستبقين عالقة هنا إلى الأبد".

أخبرها الحارس أن القصة التي دخلتها كانت في الأصل حكاية عن بطل يواجه الظلام لينقذ عالمه، لكن أحداثها بدأت تتشوه، والأحداث تتفكك كأحجية فقدت قطعها، على نور أن تجد ثلاثة مفاتيح مخفية في هذا العالم لإعادة القصة إلى نصابها، لكنه حذرها: "كل خطوة تقدمين عليها ستختبر قلبك وعقلك، احذري، فالظلام يتربص".

مغامرة نور في الغابة المسحورة

انطلقت نور في رحلتها، متجهة نحو الغابة المسحورة التي أشار إليها الحارس، كانت الغابة مكاناً ساحراً ومخيفاً في آن واحد، الأشجار كانت تتحدث بأصوات خافتة، بعضها يهمس بنصائح، والبعض الآخر يحاول خداعها، سمعت إحدى الأشجار تقول:

"اختري الطريق اليمنى، فهو آمن".

لكن شجرة أخرى قالت: "لا، اليسرى هي الحقيقة".

شعرت نور بالحيرة كل اختيار يبدو محفوفاً بالمخاطر، قررت أن تثق بحدسها، فاختارت الطريق اليسرى، لكن ما إن خطت بضع خطوات حتى بدأت الأرض تهتز، وأغصان الأشجار امتدت لتحاصرها، أدركت أن الغابة تختبرها، تذكرت كلمات الحارس: "قلبك هو دليلك"، أغمضت عينيها، وتركت خوفها يهدأ، فجأة، سمعت صوتاً داخلياً يرشدها إلى الخروج، عندما فتحت عينيها، كانت قد عبرت الغابة، وفي يدها مفتاح ذهبي لامع، المفتاح الأول.

معركة مع الوحش المظلم

واصلت نور رحلتها حتى وصلت إلى كهف مظلم ينبعث منه هدير مخيف، كان المفتاح الثاني، حسب الحارس، مختبئاً في أعماق هذا الكهف، دخلت بحذر، وفي الداخل، واجهت وحشاً ضخماً، عيناه تحترقان كالجمر، وأنيابه حادة كالسيوف، كان الوحش تجسيداً للخوف الذي يعشش في قلب كل بطل.

"لن تعبري!" زأر الوحش، وهجم عليها، حاولت نور الدفاع عن نفسها، لكنها شعرت بالضعف، كل ضربة من الوحش كانت تذكرها بمخاوفها: خوفها من الفشل، من الوحدة، من أن تكون غير كافية، لكن في لحظة حاسمة، تذكرت الشجرة، وكيف اختارتها، "أنا لست ضعيفة!" صرخت، واستجمعت شجاعتها، وجدت في يدها سيفاً متوهجاً، كأن الشجرة أرسلته لها، دارت معركة طاحنة، وفي النهاية، تمكنت نور من هزيمة الوحش، في مكانه، وجدت المفتاح الثاني، لكنه كان ملطخاً بدماء رمزية، تذكيراً بأن النصر يأتي بثمن.

حل اللغز

مع المفتاحين في يدها، وصلت نور إلى معبد قديم حيث يقبع المفتاح الثالث، في وسط المعبد، كانت هناك مرآة ضخمة تعكس ليس وجهها، بل ذكرياتها وأحلامها، وقفت أمام المرآة، ورأت نفسها كطفلة تخاف من الظلام، ثم كشابة تتردد في اتخاذ القرارات، همس الحارس من بعيد:

"اللغز ليس في العالم الخارجي، بل في داخلك".

أدركت نور أن القصة ليست مجرد مغامرة، بل انعكاس لصراعاتها الداخلية، كل تحد واجهته كان اختباراً لإيمانها بنفسها، وضعت يدها على المرآة، وقالت بثقة: "أنا أختار أن أكون بطلة قصتي" في تلك اللحظة، انبثق المفتاح الثالث من المرآة، وشعرت نور بأن القصة بدأت تعود إلى مسارها.

عودة نور إلى الواقع

مع اكتمال المفاتيح الثلاثة، بدأ العالم من حولها يتلاشى، شعرت نور بدوامة لطيفة تسحبها عائدة إلى واقعها، عندما فتحت عينيها، كانت تجلس تحت الشجرة في حديقتها، الشمس كانت لا تزال مشرقة، والنسيم يداعب وجهها، نظرت إلى الأوراق، فوجدتها فارغة تماماً، كأن القصة التي عاشتها لم تكن سوى حلم، لكن شيئاً في قلبها كان يخبرها أن ما حدث كان حقيقياً.

هدية الشجرة لنور

اقتربت نور من الشجرة مرة أخرى، فسمعت همسة خافتة:

"لقد أنقذت قصة، والآن حان وقتك لتكتبي قصتك".

فجأة، سقطت ورقة فارغة من أحد الأغصان، نقية كالثلج، أمسكتها نور، وشعرت بدفق من الإلهام، كانت الشجرة تمنحها فرصة لتكون هي الكاتبة هذه المرة.

بداية جديدة

جلست نور تحت الشجرة، وأمسكت بقلم كان في جيبها، بدأت تكتب على الورقة الفارغة:

"في قرية هادئة، عاشت فتاة تحلم بأن تغير العالم...".

مع كل كلمة، شعرت نور بأنها تخطو خطوة نحو حلمها، الشجرة كانت لا تزال تهمس، كأنها تشجعها، أدركت نور أن القصص لا تنتهي، بل هي دائماً بداية لرحلة جديدة، وفي قلبها، عزمت على أن تكتب قصة تستحق أن تروى.

قصة الشجرة ليست مجرد حكاية عن مغامرة، بل هي رحلة داخلية تكشف عن قوة الإيمان بالنفس، نور، التي بدأت كفتاة فضولية، أصبحت بطلة وكاتبة، تحمل في يدها مفتاحاً لعالم من الاحتمالات، والشجرة؟ ربما لا تزال هناك، في زاوية من حديقة ما، تنتظر من يجرؤ على لمس أوراقها وكتابة قصته.

تمت الكتابة بواسطة: حسيب أورفه لي.

موقع محترفين العرب
موقع محترفين العرب
موقع محترفين العرب البوابة الشاملة للمحتوى العربي بكل جوانبه ومجالاته.
تعليقات