![]() |
أريد طفلاً جميلاً |
أنا أعرف تفاصيلك تماماً، أراها في حلمي وحفظتها عن ظهر قلب، سأنتظرك حتى وإن شابَ شعري وأكل الدهر من جسدي، أنا أم وأنا فقط أريد طفلاً جميلاً.
أريد طفلاً جميلاً يشبه صغيرتي ناي
أريده كما أراه في حلمي، بيديه الناعمتين تلك، وبشرته ذات الملمس الأخاذ، بأنفاسه الدافئة تلك وعيناه البنية الواسعة كتلك التي أملك، كم كانت أحلامي بسيطة، ولكن سقف توقعاتي المرتفع جعل الوقوع عبارة عن اصطدام كارثي دمرني!.
أحلم بهذا الصغير حتى أصبحت كارهة للنوم لأنه يرافق أحلامي ويُذكرني بأنني لا أعلم إن كنت يوماً سأحمله في حضني، أُرضعه وأشمّ رائحته الذكية تلك، أريد لنفسي وقتاً ألاعبه وأداعب ملامحه الصغيرة وأتركه يكبر أمام عيني دون أن أغفل لحظة عن مشاهدة تفاصيله كلها.
تماماً مثل ناي… صغيرتي ناي ورفيقتي ومعشوقتي الأولى، يا مهجة الروح، لقد ولدتك بمخاضٍ استهلك مني ثلاثة عشر ساعة وأنا أصرخ بأعلى صوتي وأدعو الله أن يُريحني من هذا الألم، ورغم أنني على يقين بأن كل شيءٍ جميل يستحق المعاناة، إلا أنني وللأسف كنت أدعو الله في تلك الليلة بأن يأخذ روحي بعد أن يُخرجك مني!.
اعذريني يا صغيرتي، لكن الألم كان يفوق حدّ التحمل، ذلك لأنني وددت أن أنجبك في أثناء حضرة والدك، لذا عمدت على الأخذ بكل المُحرضات حتى يبدأ مخاضي بك في حضرة والدك، والدك هذا يا حبيبة الروح هو أنيس قلبي ونصفي الآخر، وأكثر من استهلكني قلباً وروحاً بحبه.
لكِ أن تتخيلي كم ضاعفت ألم مخاضي بك عندما استعجلت مجيئك بوجود والدك؟ لا يمكنني نسيان تلك الليلة كم كان الألم يشابه تكسير عظام الروح لا الجسد فحسب!.
حسناً دعكِ من هذا، ودعيني أخبرك كم كنت أحب كل ألم أعيشه معك، ألم الرضاعة الأولى، وألم الاستيقاظ طوال الليل، والهلاوس تلك التي أصابتني من الحمى، حتى أنني كنت أخشى على نفسي من اكتئاب ما بعد الولادة لكي لا أؤذيك به، لذا فإنني كُنت أضعك على صدري وأتنفس من أنفاسك معنى الحياة.
كبرتِ وأنت في حضني، ألاعبك مثل الصغار حتى ظننت بأنني في عمرك، إلى أن أصبحتِ في عمر الثالثة، وهنا بدأت أخشى على نفسي من أن لا أستطيع تأمين متطلباتك، "حلوى'" "لعبة" "ملابس".
لذا سامحيني، كان من الضروري أن أقطع حبلك السرّي عني، وابدأ رحلتي في العمل لكي أُعيلك، لو تعلمي كَم سهرت لأعمل ثم لأكون معك عند استيقاظك، لو تدركين يا صغيرتي كم كانت ساعات النوم قليلة ولكنها بالكاد ازعجتني، لأنني في كل مرة كُنت أحضر فيها شيئاً لكِ وأراكِ تنفجرين ضاحكة وسعيدة، كُنت أشعر بأن هذا هو نومي الهانئ، لقد شبعت نوماً عندما رأيتك تبتسمين!.
أتذكرين تلك الليلة عندما وجدتِ أن لأصدقائك دراجات ملونة وأنتِ تنظرين إليهم بحسرةِ طفلٍ ضعيف!، أنت لستِ ضعيفة، ولستِ ناقصة عنهم، إن أمك ستحارب لتحضر كل ما تشتهيه، أنا لن أقوى على رؤية تلك النظرة مرة أخرى، أذكر تماماً أنني بكيت حدّ الاختناق، وركضت لكي أبيع أكبر عدد من كروت أكواد العروض حتى أشتريها لك.
وبعد كل تلك الذكريات، تركتك ولم نبقى على صداقتنا تلك، أصبحتُ منشغلة في العمل حتى وإن كنت معك، إلا أنني لم أعد أشعر بأننا نمضي وقتنا سوياً، حتى أنني أراك أمي الآن، عندما تهتمين بي وتضعين يدك على رأسي لتقولي لوالدك بأن حرارتي مرتفعة وعليكم أن تهتموا بي، يا صغيرتي الحنونة، اعذريني إن اضطررت لأن ابتعد عنك قليلاً حتى أؤمن لك حياةً كريمة في المستقبل لا تعاني منها مثلما عانينا أنا ووالدك!.
والآن، اعتذر مرة أخرى، لكنني أريد طفلاً!، هل حقاً لن أحمل بعد اليوم؟ هل سُلبت مني هذه النعمة؟ أريد لصغيرتي ناي أخاً يهتم بها عندما تكبر فلا تكون وحيدة، اشتهي طفلاً كلما نظرت في وجوه الأطفال، اشتهي طفلاً كلما رأيت صغيراً في أحضان أمه.
لربما أنا اشتهي دوري كـ أم، كـ امرأة وربة منزل، لا أعلم، لكنني اشتهي عائلة مستقرة، ودودة، متحابة، تعيش بين جدرانٍ تملكها وتسترها، بهدوء، لا حروب في الخارج، ولا ضوضاء في الداخل، ولا مسؤوليات، ولا معارك نخوضها لتأمين حياة ولدينا، ولا بلادٌ تُشعرنا بأن إنجاب طفل لهذه الأرض يعني رقماً جديداً نجلبه للمعاناة.
بسيطة أليس كذلك؟، مجرد عائلة مستقرة، أولم تكتفي تلك البلاد من أن تعنّفنا ونحن فوق ترابها؟ حتى أنها تدفع بنا لأن نشتهي أن نتلحف ترابها ونستريح؟، نريد عائلة فقط، متحابة، سليمة، تعيش حياة طبيعية بهدوء، كهرباء، ماء، حياة روتينية، وطفلاً!!!!.
تمت الكتابة بواسطة: فريال محمود لولك.
هل كان المحتوى مفيداً؟ رأيك يهمنا وتعليقك يفيد الموقع