إرضاء الناس غاية لا تلزمني فإرضاء ذاتي أولى

إرضاء الناس غاية لا تلزمني
إرضاء الناس غاية لا تلزمني

أيها الصديق لماذا تُثقل روحكَ بأهواءِ البشرِ؟ أنا شخصياً إرضاء الناس غاية لا تلزمني، فكن مِثلي واختر ذاتكَ واستكشف جمال الحياةِ بلا أقنعةٍ أو تنازلاتٍ.

إرضاء الناس غاية لا تلزمني ولا تلزمك أنت

أيها القارئُ الكريمُ هل سبقَ أن وجدتَ نفسكَ تائهاً في دوامةِ آراءِ الناسِ، تسعى جاهداً لنيلِ رضاهم، فتفقدُ في خضمِّ ذلكَ راحتكَ وسكينتكَ؟ إنَّ إرضاءَ الناسِ غايةٌ تُغري الكثيرين، لكنها في جوهرها سرابٌ لا يُروي ظمأَ القلبِ، ولا يُشبعُ نهمَ الروحِ، دعني أصحبكَ في رحلةٍ فكريةٍ عبرَ هذا المقالِ، لنستكشفَ معاً لماذا لا ينبغي أن تكونَ هذه الغايةُ همَّكَ الأوحدَ، وكيفَ يمكنُ أن تجدَ طريقكَ نحوَ سلامٍ داخليٍّ لا يتزعزعُ بتقلُّبِ أهواءِ البشرِ.

لماذا نسعى لإرضاءِ الناسِ؟

لنبدأْ من البدايةِ، أيها الصديق، إنَّ سعينا لإرضاءِ الناسِ ليسَ عيباً في حدِّ ذاتهِ، بل هو جزءٌ من طبيعتنا البشريةِ، نحنُ مخلوقاتٌ اجتماعيةٌ، نعيشُ في شبكةٍ معقدةٍ من العلاقاتِ، ونسعى دائماً إلى بناءِ جسورٍ من التقديرِ والمحبةِ مع من حولنا، لكنَّ المشكلةَ تبدأُ عندما يتحوَّلُ هذا السعيُ إلى عبءٍ ثقيلٍ، يُلزمنا بتغييرِ أنفسنا أو التضحيةِ بمبادئنا فقط لننالَ كلمةَ مديحٍ أو نظرةَ قبولٍ.

تخيَّلْ معي: كم مرةً وجدتَ نفسكَ تقولُ شيئاً لا تؤمنُ بهِ، أو تفعلُ ما لا يُرضيكَ، فقط لأنكَ تخشى أن يُساءَ فهمكَ أو يُرفضَ رأيكَ؟ هذا السلوكُ، وإن بدا بريئاً في ظاهرهِ، قد يُوقعكَ في فخِّ التشتتِ الداخليِّ، حيثُ تفقدُ بوصلتكَ الحقيقيةَ وتُصبحُ رهينةَ توقعاتِ الآخرينَ.

إنَّ السعيَ لإرضاءِ الناسِ غالباً ما ينبعُ من خوفٍ دفينٍ: خوفُ الرفضِ، أو الوحدةِ، أو فقدانِ القبولِ الاجتماعيِّ، هذا الخوفُ يُشبهُ شبحاً يطاردنا، يُوهمنا أنَّ قيمتنا تكمنُ في عيونِ الآخرينَ، لا في أعماقِ أنفسنا.

لكنْ دعني أسألكَ: هل يُعقلُ أن نُعلِّقَ سعادتنا على شيءٍ متقلبٍ كآراءِ البشرِ؟ إنَّ الناسَ، مهما كانوا طيبينَ أو حكماءَ، يحملونَ أهواءً متغيرةً وتوقعاتٍ متفاوتةً.

ما يُرضي أحدهم اليومَ قد يُغضبُ آخرَ غداً، فكيفَ يمكنُ أن نُرضي الجميعَ دائماً؟ الحكمةُ هنا تقتضي أن ندركَ أنَّ هذه الغايةَ مستحيلةٌ، وأنَّ السعيَ وراءَ المستحيلِ لا يُورثُ سوى الإنهاكِ والضياعِ.

مخاطرُ جعلِ إرضاءِ الناسِ هدفاً

الآنَ يا عَزيزي دعنا نغوصُ أعمقَ قليلاً، ونتأملْ فيما يحدثُ عندما نجعلُ إرضاءَ الناسِ هدفاً أساسيّاً في حياتنا، أولُ ما يُصيبنا هو فقدانُ الأصالةِ، عندما نُحاولُ أن نكونَ ما يريدهُ الآخرونَ، نُخاطرُ بأن نفقدَ جوهرَ ذواتنا.

تخيَّلْ لوحةً فنيةً تُغيَّرُ ألوانها باستمرارٍ لتُناسبَ أذواقَ كلِّ ناظرٍ؛ في النهايةِ، لن تكونَ لوحةً، بل مجردَ فوضىً بصريةٍ، هكذا هي حياتنا إذا عشناها لإرضاءِ الجميعِ؛ نفقدُ هويتنا، ونُصبحُ مجردَ انعكاساتٍ لتوقعاتِ الآخرينَ.

ثانياً، إنَّ هذا السعيَ يُولِّدُ إحساساً دائماً بالنقصِ، مهما بذلتَ من جهدٍ، ستجدُ دائماً من لا يُعجبهُ عملكَ، أو من ينتقدُ اختياراتكَ، هذا ليسَ عيباً فيكَ، بل هو طبيعةُ التنوعِ البشريِّ.

لكنْ عندما تُربطُ قيمتكَ الذاتيةُ برضا الآخرينَ، فإنَّ كلَّ نقدٍ يُصبحُ طعنةً، وكلَّ رفضٍ يُشبهُ هزيمةً، هذا الشعورُ يُضعفُ ثقتكَ بنفسكَ، ويجعلكَ تُشككُ في قراراتكَ، حتى تلكَ التي كنتَ تؤمنُ بها يوماً.

ثالثاً، وهو الأخطرُ، أنَّ هذا الهدفَ يُبعدكَ عن تحقيقِ غاياتكَ الحقيقيةِ، الحياةُ، يا صديقي، قصيرةٌ جدّاً، والوقتُ ثمينٌ، عندما تُمضي أيامكَ في محاولةِ إرضاءِ الجميعِ، فإنكَ تُضيِّعُ فرصاً لتحقيقِ أحلامكَ، أو لخدمةِ قضاياكَ التي تؤمنُ بها.

كم من شخصٍ تخلَّى عن موهبتهِ لأنها لم تُعجبْ أحدهم؟ وكم من حلمٍ دُفنَ تحتَ وطأةِ توقعاتِ المجتمعِ؟ إنَّ الوقتَ الذي تُنفقهُ في السعي وراءَ رضا الناسِ هو وقتٌ تسرقهُ من نفسكَ، ومن رسالتكَ في هذا العالمِ.

الطريقُ إلى السلامِ الداخليِّ

إذنْ، إذا كانَ إرضاءُ الناسِ غايةً لا تُلزمنا، فما البديلُ؟ البديلُ، أيها الصديقُ، هو أن تُعيدَ ترتيبَ أولوياتكَ، وتجعلَ رضاكَ عن نفسكَ، ورضا اللهِ عنكَ، هما بوصلتكَ الحقيقيةَ، هذا لا يعني أن تُصبحَ أنانيّاً، أو تتجاهلَ مشاعرَ من حولكَ، بل يعني أن تُدركَ أنَّ قيمتكَ لا تُقاسُ بمدى قبولِ الآخرينَ لكَ، بل بمدى صدقكَ مع نفسكَ وإخلاصكَ فيما تفعلُ.

ابدأْ بالاستماعِ إلى صوتكَ الداخليِّ، اسألْ نفسكَ: ما الذي يُهمُّني حقّاً؟ ما الذي يجعلُني أشعرُ بالرضا والامتلاءِ؟ عندما تُجيبُ على هذه الأسئلةِ بصدقٍ، ستجدُ أنَّ طريقكَ يُصبحُ أوضحَ، وأنَّ آراءَ الآخرينَ، وإن كانتْ مهمةً، لا ينبغي أن تكونَ هي الحَكَمَ الوحيدَ على قراراتكَ.

الحكمةُ هنا أن تُوازنَ بين احترامِ مشاعرِ الآخرينَ وبين الحفاظِ على استقلاليتكَ، إنَّ الشخصَ الذي يحترمُ نفسهُ ويُقدِّرُ قيمتهُ غالباً ما ينالُ احترامَ الآخرينَ، حتى وإن لم يسعَ لذلكَ.

ثمَّ، تذكَّرْ أنَّ الناسَ لن يتفقوا أبداً، هذه حقيقةٌ لا مفرَّ منها، إنَّ التنوعَ في الآراءِ والأذواقِ هو ما يجعلُ الحياةَ غنيةً، لكنهُ أيضاً ما يجعلُ إرضاءَ الجميعِ مستحيلاً، بدلاً من أن تحاولَ تغييرَ نفسكَ لتُناسبَ الجميعَ، كنْ أنتَ، ودعْ من يُقدِّرُ أصالتكَ يقتربُ منكَ، إنَّ الأشخاصَ الذين يُحبونكَ لأجلِ ذاتكَ، لا لأجلِ ما تفعلهُ لهم، هم من يستحقونَ وجودكَ في حياتهم.

كنْ أنتَ، فهذا يكفي

دعني أذكِّركَ بحقيقةٍ بسيطةٍ لكنها عميقةٌ: إرضاءُ الناسِ غايةٌ لا تُلزمكَ، لأنَّ سعادتكَ الحقيقيةَ لا تكمنُ في عيونِ الآخرينَ، بل في قلبكَ أنتَ، عِش أيامكَ في هذا العالمِ، وكُنْ أنتَ، فإنَّ اللهَ خلقكَ لتكونَ فريداً، لا لتُصبحَ نسخةً من توقعاتِ الآخرينَ.

اخترْ أن تكونَ صادقاً مع نفسكَ، وأن تتبعَ طريقكَ بثقةٍ وإيمانٍ، إنَّ الحياةَ رحلةٌ، والحكمةُ أن تُسافرَ فيها برفقةِ من يُحبُّكَ لأجلِكَ، لا لأجلِ ما تُقدِّمهُ لهم، فكنْ أنتَ، وتذكَّرْ دائماً: إرضاء الناس غاية لا تُدرك، وأنت كافٍ بما أنت عليه.

تمت الكتابة بواسطة: حسيب أورفه لي.

موقع محترفين العرب
موقع محترفين العرب
موقع محترفين العرب البوابة الشاملة للمحتوى العربي بكل جوانبه ومجالاته.
تعليقات