![]() |
خاطرة بنيتُ بعد هدمٍ |
بنيتُ بعد هدمٍ فكلما سقطت كان الهدم هو بداية لبناءٍ لا ينهار، وكلما لامسني الألم كان هناك في داخلي شعورٌ أقوى بأنني سأعود أقوى من السابق.
بنيتُ بعد هدمٍ واستعدتُ قوتي بعد الكسر
بنيتُ بعد هدمٍ، وما بُني بعد هدمٍ لا يُهدم، هكذا علمتني التجارب التي مرَّت بي، ففي كل مرةٍ كنتُ أهدم كان البناء في داخلي يبدأ من جديد، مرَّ عليَّ الكثير من الهموم، وكُسرتُ مراتٍ عديدة، لكنني علمتُ أن الهدم ليس النهاية، بل هو بداية لفرصةٍ جديدة، فما يتم بناؤه بعد الهدم لا يمكن أن ينهار، لأنه قد شُيد على أساسٍ أقوى وأصلب من سابقه.
لقد كانت الفواجع تتوالى عليَّ، كالأمواج التي تعصفُ بالساحل الهادئ، فتغرق كل ما في طريقها، كان الفؤادُ يُكسرُ وتُشطرُ الهمومُ روحي ويغيب الأملُ في أقصى الزمان، لكنَّ العزيمةَ كانت وما زالت ثابتةً بين ضلوعي لا تهتزُّ ولا تنكسر.
إنَّ الذي يبني بعد الهدم هو الذي يمتلك القدرة على الصمود أمام عواصف الحياة، كالنخلة التي تثبتُ جذورها في الأرض، مهما اشتدَّ العاصف، إذ أنَّ البناء الذي لا ينهدم هو ذلك الذي شُيدَ على أساسٍ من الفهم العميق، والنضوج الذي لا يُدرَك إلا بعد جولاتٍ من المعاناة والمِحن.
التجارب هي المدرسة التي تعلمنا الصلابة
فالحياةُ ليست سوى سلسلة من الهدم والبناء، بل لا يتصور أحدٌ أن يكون الإنسانُ قد وصل إلى مكمن القوة دون أن يمرَّ بتلك اللحظات العصيبة التي تهدمه وتُبلي عزيمته، أليس كذلك؟! فما الذي يميز الذي يعود بعد الهدم عن الذي يسقط؟
هو فقط ذلك البناء الذي لم يُشيَّد من الرمال، بل من الصخر؛ ذلك البناء الذي اكتسب قوته من ضعفٍ سابق، وصلبٍ تليد، وألمٍ مرير مرَّ به، فإنك إذا نظرتَ بعينين مُتأملتين، سترى أن من لا يعرف الهدمَ، لا يعرف البناءَ، ومن لا يذوق مرَّ الفشل، لا يدرك طعمَ النجاح.
البناء بعد الهدم - سر الثبات والقوة
وإذا أردتَ أن تبني شيئاً صلباً، لا بدَّ أن تعترف أولاً بأنَّ الأرضَ التي تبني عليها قد شُقت أو هُدمت في لحظةٍ ما، قبل أن تعيدَ زرعَ بذورك من جديد، وما يبنى بعد الهدم لا يُهدم، لأنَّ البنية التي تقام بعد التحطيم، تُنشأ من عظامٍ مكسورةٍ قد عادت لتلتئم، من ثباتٍ يقدره الزمن ويدعمه الألم، وكلما كان الهدمُ أقسى، كان البناءُ أكثر رسوخاً، وكلما سقطتَ وتعثَّرتَ، كان صعودك لاحقاً أكثر تجلياً وتألقاً.
لقد علمتني التجاربُ بل قسوتُها، أنَّ الانكسارَ ليس نهايةً، بل هو بدايةٌ جديدةٌ لا يشهدها إلا من غاص في أعماق نفسه، لا يُغريه الغرور، ولا يفتنه الزهو، ولقد أصبحُ اليومَ على يقينٍ أنَّ كلَّ هدمٍ يُفضي إلى بناءٍ أعظم، وأنَّ جراحَ القلب لا تُشفى إلا بتجديدٍ دائمٍ للمساعي، فإنَّها، أي الحياة، لا تهدمنا إلا لتعلمنا كيف نُبني من جديد.
وفي النهاية، دعني أختم قولي بأنَّنا إذا نظرنا إلى تلك الصروح التي شُيدت بعد الهدم، سنرى أنها أرفعُ وأجملُ، وأكثرُ صلابةً من تلك التي كانت قبلاً، فماذا ينفع الإنسانَ أن يبني مبنىً هشَّاً، إن لم يكن قد خاض غمار الهدم أولاً؟
تمت الكتابة بواسطة: حسيب أورفه لي.
هل كان المحتوى مفيداً؟ أم تريد الإبلاغ عن خطأ، رأيك يهمنا وتعليقك يفيد الموقع