المرأة الصابرة في أروقة البيت قوة صامتة لا تُقدَّر

المرأة الصابرة
المرأة الصابرة

لا يراها الكثيرون، ولكن آثارها واضحة في البيت، فكل تعب وموقف صعب تتجاوزه دليل على قوة المرأة الصابرة التي تبني أسرتها وتضحي دون انتظار مقابل.

المرأة الصابرة في زوايا البيوت - مرآة التضحية الصامتة

أيّتها المرأة، يا مَن جعلتِ من بيتكِ مملكةً لا تغيبُ عنها شمسُ العطاء، ويا مَن نسجتِ بحبالِ الصبرِ جدرانَ الأمانِ حولَ أسرتكِ، حديثُنا اليوم عنكِ، حديثُ المحبِّ المتأمل، لا حديثُ العابرِ الذي يكتفي بمشهدٍ عابرٍ من مسرحِ حياتكِ المكتظةِ بالعطاءِ الخفيِّ.

في تفاصيلِ الحياةِ المنزليةِ، تغوصينَ برقةٍ لا يشوبها ادعاءٌ، وبإخلاصٍ ثابتٍ لا تزعزعه الأيامُ، تذيبينَ من ليلكِ ساعاتِ الراحةِ، كي يسهرَ بيتُكِ دافئاً عامراً بالطعامِ الطيبِ والتربيةِ النقيةِ، لا تطلبينَ أجراً، ولا تنتظرينَ تصفيقاً، كأنكِ خُلِقتِ للعطاءِ ثم نُسيتِ بين زوايا الدارِ المضيئةِ بكِ.

طبيعة العبء المنزلي

ليتَ من ينظرُ إلى جمالِ البيوتِ المشرقةِ يدركُ كم تعجُّ المطابخُ بالفصولِ المتلاحقةِ من التعبِ والكدِّ، فعملُ البيتِ عملٌ لا ينقطعُ، يبدأُ منذ أولِ خيوطِ الفجرِ ولا ينتهي مع خفوتِ الأضواءِ ليلاً، جسدٌ منهكٌ وعقلٌ مشتعلٌ لا يعرفُ السكونَ، تنظيفٌ وترتيبٌ يكادُ يُصنَّفُ فناً يوميّاً دقيقاً لا تدركُهُ العيونُ التي تعتادُ النعمةَ وتنسى الناعمةَ.

المرأةُ الصابرةُ تُراكمُ فوقَ كتفيها أثقالاً لا تُرى، وتخوضُ معاركَها في صمتٍ لا يلفتُ انتباهاً، لكنها تظلُّ واقفةً، تحفظُ للبيتِ بهاءه، وللعائلةِ سلامها.

ما أروعَ ذاك الوجهَ الذي يبتسمُ رغم الإرهاقِ، وما أشدَّ سطوعَ تلك اليدينِ وهما تعدّانِ الطعامَ بحبٍّ واهتمامٍ رغم جراحِ الأيامِ الطويلةِ، تُقابلينَ التعبَ بالتفاني، وتردينَ القسوةَ باللينِ، كأنكِ ماءٌ يتسربُ في شقوقِ القلوبِ فيبعثُ فيها الحياةَ، وفي قلبكِ تُربّينَ الأجيالَ على القيمِ، وتغرسينَ فيهم بذورَ الأخلاقِ، دون أن تنالي هدنةً أو تطلبي ثمناً، بل تجعلينَ من صبركِ وسيلةً لخلقِ رجالٍ ونساءٍ يحملونَ مشاعلَ الخيرِ في غدٍ لا تعرفينَ ملامحهُ.

لكنَّ لهذا الجهدِ الصامتِ أثراً غائراً، لا تُدركهُ النظراتُ السطحيةُ، أجسادٌ تئنُّ تحت وطأةِ المسؤولياتِ، ونفوسٌ تذبلُ حين تغيبُ عنها لمسةُ التقديرِ، فما أشدَّ حاجتَكِ إلى كلمةِ عرفانٍ، وما أعظمَ وقعَ نظرةِ امتنانٍ في عينيكِ المتعبتينِ.

إنّ إهمالَ هذا الجهدِ جريمةٌ لا يرتكبها إلا الجاحدونَ، وإنّ تجاهلَ تلك التضحياتِ يطفئُ نورَ البيوتِ، فتصبحُ صامتةً باردةً، بعدما كانتْ تنبضُ بالحبِّ تحتَ رعايتكِ.

غياب التقديرِ وأثره على المرآة

حين تغيبُ كلماتُ الشكرِ، تتراكمُ الغصصُ في صدركِ المكدودِ، وينحسرُ رونقُ العطاءِ تدريجياً حتى يخيمَ الصمتُ على البيتِ، لا لأنكِ ضاقَ صدركِ بالواجبِ، بل لأن القلبَ الذي يعطي يحتاجُ أن يشعرَ أنّه مرئيٌّ ومسموعٌ ومقدَّرٌ، غيابُ التقديرِ لا يقتلُ العملَ وحده، بل يقتلُ الروحَ التي تضيءُ العملَ، وما أثمنَ روحكِ وأنتِ تهبينَها لهذا الصرحِ الإنسانيِّ النبيلِ الذي نسمّيهِ بيتاً.

المرأة الصابر هي الأم والزوجة والأخت

هذه المرأة التي نحتفلُ بعطاءاتها اليوم، ليست فقط صابرة في مهامِّ البيتِ اليومية، بل هي الأم التي تنشئُ الأجيالَ على الأملِ والإيمانِ، هي الزوجة التي تُحمّلُ نفسها عبءَ الفهمِ والصبرِ من أجلِ حياةٍ مشتركةٍ، وهي الأخت التي تحملُ قلباً يتسعُ لكلِّ همٍّ وكلِّ معاناةٍ، تلك الأدوار التي تتقاسمُها بكلِّ محبةٍ تجعلُ من صبرِها مثالاً أعلى للوفاءِ، وقدوةً في التضحيةِ لا تنتظرُ جواباً، فلذا هي تستحقُّ كلَّ احترامٍ وتقديرٍ، فهي عطاءٌ لا يتوقف، ووجودٌ لا يُقدَّر بثمنٍ.

فلنمدَّ أيادينا إليكِ، بالكلمةِ الدافئةِ لا بالكلماتِ الباردةِ، بالابتسامةِ الصادقةِ لا بالواجبِ الآليِّ، لنكافئَ تعبكِ باعترافٍ يليقُ بتضحيتكِ، ولنجعلَ من كلِّ لحظةِ تعبٍ جسرَ محبةٍ، نُشعركِ به أنكِ لستِ وحدكِ في ساحةِ الكفاحِ، يا مَن زرعتِ الهناءَ في بيوتِنا، وأوقدتِ شموعَ الأملِ على موائدِنا، آنَ لكِ أن تجني حصادَ الصبرِ احتراماً، وتلمسي ثمارَ العطاءِ تقديراً.

أيتها المرأةُ الصابرةُ، لستِ قوةً صامتةً فحسب، بل أنتِ المعنى العميقُ للعطاءِ الذي لا يُنسى، والأثرُ الطيبُ الذي لا يذبلُ مهما مرَّ الزمانُ، إنّ اعترافنا بكِ ليس فضلاً نمنُّ به، بل حقٌّ نؤدّيهِ، ومروءةٌ تليقُ بنا كبشرٍ أدركوا أن الحياةَ أجملُ حين تُضاءُ بتعبِ أمٍّ، وجهدِ زوجةٍ، وصبرِ أختٍ اختارت أن تكونَ ركيزةً صلبةً في عالمٍ كثيرُ الاهتزازِ.

والرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام الذي قال في حديثه: "استوصوا بالنساء خيراً" لم يغفل عن ذكر المرأة في حجة الوداع العظيمة ووصّى المسلمين خيراً بالنساء، فأمضي وارفعي رأسكِ عالياً، فأنتِ النبضُ الذي لولاهُ لفقدتِ الحياةُ رونقها، وأنتِ الغرسُ الذي بهِ تحيا القلوبُ وتنبتُ السعادةُ بين جنباتِ البيوتِ.

تمت الكتابة بواسطة: حسيب أورفه لي.

موقع محترفين العرب
موقع محترفين العرب
موقع محترفين العرب البوابة الشاملة للمحتوى العربي بكل جوانبه ومجالاته.
تعليقات