صراعات نفس على شفير الهاوية

صراعات نفس
صراعات نفس

أتدري أن أصعب صدام تقع به، هو الصدام ما بين رغبات نفسك وضميرك الأعلى!، هل تعلم أنني استُنزفت حتى لم يبقَ مني شيء؟ صراعات نفس على شفير الهاوية.

صراعات نفس على شفير الهاوية والاحتضار

قد راودَ شمسي الكسوف، حتى خيّم الليل بسواده على قلبي، ولمع في منتصف هذا الظلام ضوءٌ أحمر اللون، بريقه آخاذ ويُثير الفضول، دنوت منه قليلاً فرأيت داخله انعكاسات لصور ليالٍ حمراء وشموع ومالٍ وخمرٍ ومتاع الدنيا بأكملها!.

تراجعت بضعة خطوات وتأملت لبرهة ما الذي يحدث!، فإذ بي ألمح خيالاً لبريقٍ أخضر اللون يتصدر عرض السقف المظلم ويُنير الهالة المحاطة به، اقتربت منه ورأيته يحمل صوراً للصلاة والقرآن واعتكاف المنازل وسكَن المساجد والضمائر التي تبكي مخافة الله.

علمت حينها، أنني وقعت في المنتصف، داخل أركان هذه القوقعة المظلمة، بين أهواء نفسي وتلاهيها، وضميري اليقظ وخشية الله في قلبي، أنا بالكاد أقف على شفير حبلٍ أحدّ من السيف وأرفع من الخيط، وعليَّ أن أعلم تماماً ما أنا بفاعل حتى أتخلص من هذا العذاب…

دقت الساعة، تيك تاك، تيك تاك، وصدح صوت لا يعلو فوقه صوت، يقول: أين أنت من كل هذا؟… أجبته وأنا حانياً ظهري، أنا المنطفئ والباحث عن مخرجٍ يضمد جروحي!!.

إنها مسرحيةٌ حمقاء، أتقمص بها أدواراً وأُلقي فيها مونولوجات ساذجة، هذا يعني أنني بطل هذه المسرحية وأنا المسؤول عن تحديد نهايتها، أُدرك تماماً بأن الدنيا تعصف بي، وتأخذ بي نحو الشمال حيناً وأقصى اليمين أحياناً.

كل هذا نَتج عن النقص والفراغ الذي يرتكز أركان قلبي إنه فراغاً يبحث عن شيء يسدّه ويضع حدً للرياح التي تدخله فتعصف به، هذا الفراغ يحتاج أن نملؤه بالعاطفة حيناً وبالخشوع أحياناً، ولكنه يقع في صدام بين العاطفة والخشوع، فهو يريد العاطفة الإقصائية "أقصى الشمال" ولكنه في كل مرة يشعر بها بأن هذا ما يسد رمق ذاك الفراغ، يقف ضميراً عريض المنكبين ويخبره بأن الدواء ليس هنا، بل الخشوع يسدّ هذا الفراغ!.

ولكن… تمهل لحظة!!، لم هما متباعدين ومتنافرين إلى هذا الحد؟ لم لا يكون هناك حلاً وسطياً لا يتعدى حدود الله وبالتالي لا يتعدى حدود قلبي وعاطفتي؟، أولم يُخلق على هذه الأرض، ما يمكن أن يملأ الفراغ العاطفي والاحتياج دون أن يكون به تعدٍ واضحٍ على حدود الله يدفع بالضمير لأن يبدأ محاكمته وجلده الخاص بالذات؟.

أتعلم أن ما هو أسوأ ليس هذا الضياع، إنما تلك الحالة التي تقع فيها تحت ظلام وسوداوية أفكارك، فيبدأ حينها الشيطان، بتخفيف وطأة الخطأ وتزيينه بمساحيق التجميل، ورفع رحمانية الله ليجعل دخولك في الخطأ خفيف الخطى وسهلٌ عليك.

وعندما تستمع لقول أبليس هذا، بأن الله رحيم والخطأ لن يكون كبيرا وله مبررات كثيرة، تبدأ بخوض رحلة الدخول في المحظور والممنوع، ثم تنتقل إلى المرحلة الأصعب على الإطلاق، مرحلة الصحوة!!.

يصحو العقل من غفلته، والنفس من شرورها، ويقوم أبليس مجدداً باستعراض مهامه الجديدة لتفكيك نفسك أكثر، حيث يبدأ بتهويل الخطأ وتعظيم عذاب الله لك على ما فعلت!، وهنا تدرك بأنك الأحمق الساذج الذي استمع لوسوسةٍ وتغافل عن حكمة عقله التي وضعها الله به حتى لا يجعله فريسة سهلة للإغواءات!.

ها قد نجحت الدنيا، في تفريغ نفوسنا من كل شيء، وجعلنا في حالة من عدم الرضا لأي شيء، وأيضاً تعريضنا للأذية التي تُشعرنا بأن ما يحدث ليس عدالة إلهية، وأن العذاب والنقص والأذية التي نتعرض لها لا يمكن التغافل عنها لذا من حق نفوسنا أن تعيش كما تحب وتفعل ما تحب لأن الله رحيم وبالتأكيد لن يقبل بأن يتعذب عبد من عباده!.

ثم نجد أن الشيطان نجح أيضاً بإقناعك بأن تلك الأذية تعطيك كرت أخضر لتعيش ما تهوى وما يُشبع نقصك العاطفي واحتياجاتك وشهواتك، ثم يرفع من دور ضميرك ليبدأ بتذكيرك بأن الله لن يرحمك وأن ما اقترفته يداك كبيراً إلى الحد الذي لا يُغتفر!.

فما أنا بفاعلٌ يا الله؟، إنني أحاول بشتى الوسائل أن أبقى على صراطك المستقيم، ولكوني لا أريد إيذاء غيري فإنني أحاول الصمود والصبر، ولكنني في كل مرة أشعر بأنني مظلوم ولا يوجد من ينصفني وينصف احتياجاتي!، فهل يا ربي قد قسمت لي أن يكون نصيبي في هذه الدنيا هو المعاناة!.

هل كتبت لي أنني من عبادك المضحين؟ الذين يقدمون حياتهم وعمرهم واحتياجاتهم ويرمونها بعيداً حتى لا يتأذى أحداً عندما لا يتم التغافل عنهم؟، هل كُتب عليّ الجهاد في سبيلك وسبيل من حولي دوناً أن أجد عدالتي في الحياة منك؟، أم أنك تخبئ لي نتيجة صبري لتضعها بين يدي وتريح قلبي وتسر خاطري على ما صبرت؟، هلّا أجبت سؤالي يا ذو العرش العظيم؟، دلّني على هديتي منك بإشارةٍ ألمسها في حلمي، أو بينما أنا ماثلة بين يديك وواضعةً على رأسي على سجادتك، دلني!!.

تمت الكتابة بواسطة: فريال محمود لولك.

موقع محترفين العرب
موقع محترفين العرب
موقع محترفين العرب البوابة الشاملة للمحتوى العربي بكل جوانبه ومجالاته.
تعليقات