![]() |
رسالتي إلى نفسي في عمر الخمسين |
يا سيدتي الغالية، دعيني انحني لجبروتك قليلاً وأخبرك كم أنتِ قوية وثابتة كثبات الجبال، رسالتي هذه لكِ تقرئينها وتبكين أيام عمرك، رسالتي إلى نفسي في عمر الخمسين.
رسالتي إلى نفسي في عمر الخمسين أحكيها من ماضيكِ المشؤوم
كيف حالك يا عزيزتي؟ هل أنتِ على ما يرام؟ أعتقد أنك الآن تُقاسين لأنك أقدمتِ على هذه الخطوة، خطوة قراءة رسالتي لكِ، هذه الرسالة التي تعد بالنسبة إليكِ ذكريات مَنسية، أو هذا ما تعتقدينه، وما تحاولين عبثاً آلا تنفضي الغبار عنه حتى لا يخنقك!.
أنا أعلم هذا، صدقيني إنني أشعر بك وأعلم أن رسائلي تلك بالنسبة لكِ ماضٍ مشؤوم أردتِ منذ زمن أن تمحيه من دفتر ذكرياتك، لكن عليّ أن أخبرك، أن رغبتك في قراءتها إثباتٌ على أنك قوية وتريدين مواجهة آلامك لترميها بعيداً، ادرك تماماً أن الأمر شاق ولا يُطاق، لكن مجرد فتحك لتلك الرسالة فهذا يعني أنك تخطيتِ كل شيء!.
تذكرين أنني سبق وراسلتك منذ أربعة سنوات أليس كذلك؟ الآن نحن في سنة 2025 وأنتِ الآن في ذروة انهياراتك، أنتِ الآن على شفير الهاوية تماماً، عبارة عن خط أحدّ من السكين وأرفع من الخيط، تقفين عليه… عاجزة تماماً عن المضي قدماً وتخشين البقاء والثبات، لكن دعيني أخبرك أننا الآن نفكر في تلك المقولة واعتقد أنك تتذكرينها تماماً: "ستبقى على ما أنت عليه، حتى يصبح ألم البقاء أشد من ألم المغادرة" وأنتِ الآن تجدين أن ألم البقاء بلغ الحلقوم تماماً!.
يا جميلة، لدي أسئلة كثيرة لكِ، يثيرني الفضول لأعلم هل تعيشين وحدك؟ أم أنك لم تتمكني من عبور هذا الخط؟ أريد أن أعلم، هل تخطيته وتعيشين الآن حياة مختلفة تماماً؟ أهي هنيئة أم مرّة كتلك التي تعيشينها الآن في وقتي أنا؟!.
هل كَبرت ناي؟ كيف أصبح شكلها؟ هل تُعاتبك على ما فعلت؟ أم أنك لم تفعلي هذا وضحيتي بكل شيء لأجلها؟ هل نظرتها للأمور بأن التضحية تكون بهذا الشكل؟ أم أن قلبها الرقيق الحنون هذا لم يرضى أن تتنازلي عن وجودك وأراد لكِ حياةً أفضل؟.
وبما أنني لا أعلم كيف تعيشين وانتظر منك رسالةً ترسليها لماضيك هذا رغم أنني سأكون أنتِ في عامك الخمسين، ولكنني أريد منك إجابة واضحة، تشفي صدري وعقلي من صخب السؤال!.
عزيزتي، أعلم أن الحب مميت رغم جماله، أعلم أنه حلوٌ ومرٌّ كذلك الأمر، ومراره أيضاً مميت، ولكن دعيني أذكّرك، أنك في هذه السنة تدركين تماماً أنك استهلكتِ من نفسك الكثير حتى نسيتيها تماماً، ولم يبقى منها سوى هامش، لم يكن هو فقط من همّشك، بل أنتِ أيضاً وضعتِ يدك على صلب ذاتك وانتشلتيها وتناسيتها تماماً، حتى أصبحت خاوية من كل شيء.
أدرك أن كلامي هذا قاسٍ عليكِ، ولكن عليكِ مواجهة الحقيقة، لم تعيشي في هذه السنوات سوى أياماً كُنت أنت تصنعي سعادتها، لم تعيشي سوى سنوات تقدمين فيها ببذخ حتى فَرغتي من كل شيء، وعندما بحثت عن نفسك لم تجدينها، كانت في الزحام مختبئة، تبكي وجودها الغير مرئي، فهل لكِ أن تتخيلي ماذا فعلتِ بنفسك؟.
بالله عليكِ أخبريني أنكِ تحررتي من هذا القيد؟ ولم تستمري في أفعالك الحمقاء تلك بأخذ المسكنات والمضادات المؤقتة!، فإني أقسم بأغلظ الإيمان أنني وفي عز انهياراتي أراكِ حمقاء إن فعلتها، أرجوكِ لا تخيبي ظنّي، أعلم أنك في المنتصف، بين شيئين لا تُحسدين عليهما، لكن هناك حرية، وهناك قيد حتى آخر العمر، فإيهما اخترتي ياحبيبتي؟.
إن عمر ناي الآن وهي أمامك، هو عمرك تماماً اليوم، ثمانية وعشرون عاماً، انظري لها، هل استطعتي تربيتها كما تمنيت؟ أنتِ تجنبتي لسنوات عدم الانهيار أمامها، وتذكرين تماماً أنكِ عندما سبق لك أن انهرتِ أمامها وهي في عمر الخامسة، بدأتِ بصفع وجهك وخدّيك فكررت هي تلك الحركة أمامك وهي منهارة على انهيارك، فأرجوكِ أخبريني أنك لم تتركيها كل هذه السنوات تعيش انهياراتك تلك!.
انظري لحروفي ودعيني أخبرك رغم أنني الآن احتضر حقاً، ولا أستطيع ضبط أنفاسي وهزالة أعصابي، لا أستطيع التماسك حتى، بإمكاني الآن أن أرتمي على الأرض مستسلمة لكل شيء، انظري حتى قدمي لم تعد تقوى على حملي، إن الأمر مفجع، مرارة الحب المغمّس باللامبالاة، باللامسؤولية، باللاوجود، واللاشهامة!.
جميعها أشياء تقتل روحك، تقتل وجودك لذا إن أكثر ما يؤلمني الآن هو عدم ثقتي بوجودي، بكياني، بأنوثتي كذلك الأمر، جميعها قتلتني، إنني حتى أخاف عليكِ مستقبلاً عندما تشتهين عيشةً طبيعية لأسرة متحابة وأطفال كما تمنيت، أربعة إخوة يتكاتفون سوياً لمواجهة هذه الدنيا وظلامها، بأن تكوني لم تحققي هذا الأمر، وتلك هي الكارثة التي تخشينها، أعلم أن سقف توقعاتي المرتفع هو ما جعل ألم الاصطدام أقوى، عندما خالف الواقع توقعاتي!.
لكنني ظننت أن الفرص تُعطى لتأتي بنتيجة مُجدية، لكنني اكتشفت أنها مضيعة للوقت، أنتِ الآن لم تعودي شخصاً قادراً على ضمان نفسه، إلى أين سيصل به الحال، ولكونك تخافين الله، وتخافين خسارة احترامك لشخصيتك وقوتها وجبروتها، فإنك تُقاسين الآن، وأعلم تماماً أنك تفهمين ما أرمي إليه!.
أسئلة تنتظر جواباً من المستقبل
لذا أعطني جواباً برسالة ترسلينها للماضي، أي ترسلينها لي، وتخبريني بها، هل تغلبتي على كل شيء؟ هل استطعتِ الاستمرار؟ لوحدك أم مع من لم يبخل بوضع السمّ في كأسك؟، هل أنت وحيدة الآن وناي ليس لديها إخوة؟ هل الحياة هكذا صعبة حقاً مثلما تجدينها الآن؟ أم أن الله كان كريماً عليكِ وعلى صبرك؟.
لدي أسئلة كثيرة تهرش رأسي، ولا أعلم كيف يمكنني إشباعها وأنتِ بالكاد ستراسلينني بعد أن أكون أنتِ في عمر الخمسين، لكنني اعتقد أن الله انتشلك من كل هذا، أنا على ثقة بأن وقوعك كل ليلة بين يديه باكية أتاكِ بنتيجة، أعلم أنه يرى صبرك، ويرى كيف تصونين عهده ولا تفضلّين نفسك واحتياجاتك على رضاه، أعلم أنك أنتِ "فيرو" التي عَهدتها، ولن يحدث شيء مما يحاول الغير دفعك إليه، لن يقوى أحد على تغيير هذه الشخصية وهذا الثبات والاتزان.
هذه المخافة من الله، هذه الكينونة، أعلم أنك تحاولين عبثاً خلق أجواء عبثية مليئة بالمشاغل حتى تبعدين عن نفسك شيطان النواقص، تحاولين البحث عن عمل الآن، وتنخرطين في عوالم الطبقات المختلفة لتدرسي الأشخاص أكثر، لتفهمي هذا العالم وهذه الكينونة، أعلم أنك تقدمين أعمالاً هناك وهناك علّك تجدين من يسعف رغبتك في الظهور والإحساس بالوجود بعيداً عما تبحثين عنه حقاً.
لكن صدقيني، هذه ليست إلا جرعات مسكنة مؤقتة، لذا اتمنى حقاً أن تكوني قد توقفتِ عن تناولها منذ زمن، أن تكوني قد وقفتي في وجه كل شيء وقلتي لا للمسكنات، لا للمشاغل، لا للهروب من الواقع المرير، أتمنى أن تكوني قد واجهتي كل شيء ووضعتي قدمك على طريق المضي قدماً دون النظر إلى الخلف.
أتمنى حقاً أن تكوني قد عرفتِ نفسك وأحببتها كما يجب، صدقيني هذا هو الفعل الصحيح، حتى وإن كان قاسٍ، كذلك الأمر إن كان مجهولاً ما سيأتي بعده، عليكِ أن تعلمي بأن الله سينصفك بالتأكيد، لن تخونك أياماً سجدتي فيها باكية، ولن يخونك ربٌ كريم لا يبخل على عبده براحة البال!.
تمت الكتابة بواسطة: فريال محمود لولك.
تم التدقيق بواسطة: فريال محمود لولك.
هل كان المحتوى مفيداً؟ أم تريد الإبلاغ عن خطأ، رأيك يهمنا وتعليقك يفيد الموقع