أصحاب الوجهين - الملائكة المزيفة والشياطين الخفية

أصحاب الوجهين
أصحاب الوجهين

يمسكون يديك حين تحتاج، يربّتون على كتفك حين تنهار، ثم إذا أدرت وجهك يغرسون خناجرهم في ظهرك... إنّهم أصحاب الوجهين تعرف معنا عليهم.

أصحاب الوجهين أصدقاء في العلن وأعداء في الخفاء

هناك أشخاص تبتسم في وجهك، تُظهر لك الود، لكن ما إن تدير ظهرك حتى تتحول الأقنعة إلى وجوه شيطانية، هؤلاء الأشخاص الذين يتقنون لعبة التظاهر، يظهرون لك الحب والصداقة، بينما يخفون في قلوبهم نوايا خبيثة، يتحدثون عنك بما تشاء أذنك أن تسمعه، لكن خلف ظهرك، يقلبون الحقائق، يحيكون لك الدسائس، ويخوضون في عرضك بغير حق.

هذا هو واقع الذين يمتلكون وجهين، هؤلاء الذين يستبدلون الحقيقة بالكذب، والمشاعر الصادقة بالمصالح الشخصية، ولكن كيف يمكننا التعرف على هؤلاء الأشخاص؟ ولماذا يتصرفون هكذا؟ وما الذي يجعلنا نثق بهم ثم نكتشف أن كل ما نراه ليس سوى سراب؟

إن هذه الظاهرة تترك أثراً بالغاً في النفوس والعلاقات الاجتماعية، وقد تمتد آثارها إلى الصحة النفسية، تترك ندوباً قد تكون أصعب من الجروح الظاهرة، لذا، لابد من الوقوف ملياً أمام هذه الشخصية الملتبسة التي توهمك بالأمان ثم تقودك إلى الهاوية.

من هم أصحاب الوجهين؟

هم أولئك الأشخاص الذين يبدون لك الود والمحبة، ولكن سرعان ما يكشفون لك وجههم الآخر الذي يخفي الخداع والسم، هذه الشخصيات تتسم بتناقض سلوكي غير طبيعي، إذ يظهرون في المواقف الاجتماعية شخصية محبوبة، صادقة، وتحب الخير للآخرين، لكن في غيابك، تتحول تصرفاتهم إلى شيء آخر، تجدهم يغتابونك، يروجون إشاعات عنك، بل ويحاولون إلحاق الضرر بك.

لننظر إلى بعض الأمثلة الواقعية التي قد نعيشها جميعاً: صديق يمدحك أمامك، وفي غيابك يتحدث عنك بالسوء، زميل عمل يظهر لك التعاون والمساعدة، لكنه في الواقع يسعى إلى السيطرة على منصبك بأي وسيلة، هؤلاء الأشخاص غالباً ما يكونون مشبعين بالنفاق والحسد، ينقصهم الأمان الداخلي، ويبحثون عن طرق للسيطرة على الآخرين بما يتناسب مع مصالحهم.

لماذا يتصرفون بهذا الشكل؟

لنفهم دوافع هؤلاء الأشخاص، يجب أن نغوص في أعماق النفس البشرية، إن دافع الحسد يعد من أبرز الأسباب التي تجعلهم يخفون نواياهم الحقيقية، حين يرون نجاحك، يشعرون أن ذلك يشكل تهديداً لقيمتهم الذاتية، فيلجؤون إلى التظاهر بالصداقة ومحاكاة الإعجاب، بينما يتمنون فشلك في السر.

أما النقص الداخلي، فهو أيضاً سبب مهم، هؤلاء الأشخاص يعانون من شعور دائم بعدم الكفاية، فيسعون لتعويض هذا النقص عبر الخداع والنفاق، إنهم لا يرون فيك منافساً فحسب، بل يشعرون بأنك تبرزهم بمقارنة لا يرغبون بها، لذا تجدهم يتملقونك، يبتسمون في وجهك، بينما وراء ظهرك يزرعون بذور الدمار.

لا ننسى أن البيئة المحيطة تؤثر بشكل كبير في سلوك هؤلاء الأشخاص، في بيئات قد تشجع على النفاق والرياء لتجنب الصراعات المباشرة، يصبح هذا السلوك جزءً من ثقافة الحياة اليومية، لذا تجدهم يعكسون صورة مغايرة عن أنفسهم لتفادي المواجهات، بل وحتى للحصول على مزايا آنية.

علامات التعرف على أصحاب الوجهين

1- التناقض في السلوك

أبرز علامة على ذوي الوجهين هي التناقض بين ما يظهرونه أمامك وبين ما يفعلونه خلف ظهرك، قد تجدهم يمدحونك بشكل مبالغ فيه عندما تكون حاضراً، مع كلمات تفيض بالمجاملات والإطراء، لكن بمجرد أن تدير ظهرك، تبدأ الأمور تتغير، تجدهم يتحدثون عنك بسوء، يسيئون الظن بك، ويعبرون عن مشاعر الكراهية أو الحسد تجاهك، هذا التناقض يفضح نواياهم الخفية.

2- الإشاعات

إذا كنت تسمع عنك إشاعات سلبية أو انتقادات غير مبررة تأتي من أشخاص يبدو أنهم لا يعرفونك جيداً، فمن المرجح أن يكون ذوي الوجهين هم من وراء هذه الأقاويل، هؤلاء الأشخاص لا يترددون في نشر الأكاذيب عنك، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، بهدف التشويش على سمعتك أو التأثير على صورتك أمام الآخرين.

3- اللغة الجسدية

لغة الجسد تلعب دوراً كبيراً في التعرف على ذوي الوجهين، إذا لاحظت أنهم يتجنبون التواصل البصري عند التحدث معك أو يظهرون علامات توتر واضحة عند مناقشة مواضيع تتعلق بك، فهذا يعد مؤشراً قوياً على وجود نية خفية وراء سلوكهم، من علامات التوتر الأخرى: تحريك الأيدي بشكل مستمر، أو تغيير وضع الجلوس، أو تجنب الحديث عن مواضيع حساسة.

4- التقلب في المواقف

تجد أصحاب الوجهين يغيرون آراءهم وتوجهاتهم حسب الشخص الذي يتحدثون إليه، أمامك، قد يكونون داعمين ومؤيدين، لكن في غيابك يتحولون إلى منتقدين أو حتى معارضين، هذا التقلب يجعل من الصعب التنبؤ بمواقفهم الحقيقية، مما يضعك في حالة من الشك الدائم حول نواياهم.

5- التملق والمبالغة

يفرط أصحاب الوجهين في التملق والمبالغة في إظهار المودة أمامك، قد تجدهم يثنون عليك بشكل مفرط، يرفعون من شأنك بشكل مبالغ فيه، لكن هذه الإشادة ليست عن حقيقة، بل مجرد وسيلة لتقوية صورتهم أمامك أو استغلالك لصالحهم في وقت لاحق.

6- السعي للمصالح الشخصية

هؤلاء الأشخاص يتسمون بحب التملك والرغبة في الاستفادة منك، هم مستعدون للظهور أمامك كأصدقاء مقربين، لكن في الواقع، هم يسعون دائماً لتحقيق مصالحهم الشخصية، قد تجدهم يستغلونك عاطفياً أو مادياً لتحقيق أهدافهم دون أن يقدموا لك مقابلاً حقيقياً.

7- الحقد والغيرة

يمكن أن يكون لديهم مشاعر حقد وغيرة تجاه نجاحاتك أو تطورك، لكنهم يخفون هذه المشاعر وراء ابتسامة زائفة، إنهم لا يتحملون أن يكون الآخرون أفضل منهم، حتى وإن كانوا يظهرون لك الدعم، فإنهم في السر يتمنون فشلك.

8- التلاعب العاطفي

ذوي الوجهين يتقنون التلاعب العاطفي، قد تجدهم يظهرون لك التعاطف والاهتمام عندما تكون في حالة ضعف، لكنهم في نفس الوقت يسعون لاستغلال هذه اللحظات لصالحهم، يمكن أن يغيروا طريقة معاملتهم لك حسب حاجاتهم، ولا يتورعون عن إظهار مواقفهم الحقيقية بمجرد أن تتحسن الأمور بالنسبة لهم.

ما تأثير أصحاب الوجهين على حياتك؟

للأشخاص ذوي الوجهين تأثير مدمر على حياتك، قد لا تراه في البداية، لكن مع مرور الوقت ستشعر به، على الصعيد النفسي، تجد نفسك متردداً في الثقة بالآخرين، فقد تشعر بالخيانة ويبدأ الشك في محيطك، انخفاض الثقة بالنفس يبدأ حينما تكتشف أن الذين كنت تعتقدهم أصدقاء يتصرفون بكذب خلف ظهرك.

على الصعيد الاجتماعي، تتدهور العلاقات وتفقد القدرة على الوثوق في الآخرين، كيف تثق في شخص يخدعك؟ كيف تستمر في علاقات تتسم بالغموض والخداع؟ هذا يشكل ضغطاً نفسياً هائلاً على الفرد، ويؤثر سلباً في حياته المهنية والشخصية.

كيف تتعامل مع أصحاب الوجهين؟

التعامل معهم يتطلب وعياً نفسياً وحزماً في وضع الحدود، مع الحفاظ على التوازن العاطفي، إليك بعض التفاصيل المهمة للتعامل معهم:

1- رصد الأفعال بدلاً من الأقوال

الكلمات المعسولة قد تكون مضللة، لكن الأفعال هي المعيار الحقيقي، إذا أظهر شخص ما دعماً لك في حضورك لكنه يتصرف بعكس ذلك في غيابك، فهذه إشارة واضحة لنقص الصدق، على سبيل المثال، إذا كان زميل عمل يبدي اهتماماً بمشروعك لكنه ينقل معلومات مضرة إلى الإدارة، فهذا سلوك مزدوج.

2- الثقة في الحدس

إذا شعرت بتناقض في سلوك شخص أو شعور بعدم الراحة، لا تتجاهل ذلك، كثيراً ما نشعر بالتناقض لكننا نميل إلى تجاهله، على سبيل المثال، إذا كان صديق يبدي اهتماماً مبالغاً بأخبارك ثم يكشف معلوماتك للغير، فهذا مؤشر يستحق الانتباه.

3- وضع حدود واضحة

لا تشارك تفاصيل حياتك الشخصية مع من لا تثق بهم تماماً، إذا كان هناك شخص يستفسر عن أمورك الخاصة بشكل مبالغ فيه، مثل جار يسأل عن خطتك اليومية أو تفاصيل يومك، أجب بإيجاز وغيّر الموضوع.

4- تقليل الاعتماد عليهم

قد يستغلون حاجتك إليهم، على سبيل المثال، إذا كان زميل عمل أو شخص آخر يقدم مساعدة لكنه يستخدمها لاحقاً كوسيلة للضغط عليك، حاول الاعتماد على نفسك أو على أشخاص آخرين تثق بهم.

5- المواجهة بهدوء عند الضرورة

إذا أصبح السلوك غير مقبول، تحدث معهم بصراحة وهدوء دون هجوم، على سبيل المثال: "لاحظت أنك ذكرت شيئاً عني، ولم أتوقع ذلك، هل يمكنك التوضيح؟" هذا الأسلوب يضعهم في موقف يتطلب التوضيح دون تصعيد.

6- الحفاظ على الكرامة

تجنب الدخول في نقاشات عقيمة أو محاولات لتغييرهم، إذا كان شخص ما يستمر في إظهار تناقض ويسبب لك الإحباط، ابتعد بهدوء، على سبيل المثال، إذا كان أحد الأقارب يظهر لك المودة أمام الآخرين لكنه في غيابك ينتقدك ويتحدث عنك بالسوء، قلل التواصل معه تدريجياً وأقطع علاقتك معه.

7- بناء دائرة ثقة

ركز على العلاقات مع أشخاص يتطابق كلامهم مع أفعالهم، إذا كنت تملك أصدقاء أو زملاء أظهروا إخلاصهم في مواقف صعبة، عزز علاقتك بهم، فهم مصدر دعم حقيقي، وفي كل الأحوال حافظ على أن تكون دائرة علاقاتك صغيرة كلما ضاقت الدائرة زاد الاطمئنان والراحة النفسية.

8- الابتعاد النهائي عند الحاجة

إذا استمر الشخص في التلاعب أو التسبب بالضرر بعد المواجهة ووضع الحدود، انهِ العلاقة معه، على سبيل المثال، إذا كان مديرك يقدم وعوداً كاذبة ويحملك مسؤولية إخفاقاته، فكر في تغيير بيئة العمل، أو إذا كنتَ في علاقة صداقة أو حب مع شخص يستنزفك عاطفياً، يطلب دعمك الدائم دون أن يبادر بالمثل، ويشعرك بالذنب إن طالبت بحاجاتك، فهذا شخص سام وذو وجهين، وإن استمر هذا السلوك حتى بعد التوضيح والمصارحة، فيجب عليك الابتعاد عنه.

وقد يكون أحد أفراد العائلة كثير الانتقاد، يستخف بمشاعرك، ويضغط عليك لاتخاذ قرارات ضد رغبتك، وإن حاولت التوضيح والتفاهم لكن دون جدوى، فربما الحل في تقليل التواصل معه أو قطع العلاقة مؤقتاً أو دائماً، بحسب شدة الأذى وتكراره.

نصيحة: الحياة تستحق أن تستثمرها مع أشخاص صادقين، ركز على بناء علاقات حقيقية، واحتفظ بوضوح الرؤية في التعامل مع من يظهرون تناقضاً، عِش بقلب صافٍ وعقل واعٍ.

أصحاب الوجهين هم جزء من حياتنا، لكن لا يجب أن نسمح لهم بالتلاعب بمشاعرنا أو إعاقة تقدمنا، الوعي، والصدق مع النفس، والثقة بالنفس هي السبل التي تقودنا لحماية أنفسنا من هؤلاء، إرضاء الناس غاية لا تلزمك، فإرضاء ذاتك أولى، لا تجعلهم يُفسدون ما لديك من حب وصدق، "كن أنت الشخص الذي تتمنى لقاءه: صادقاً، نقياً، ولا يحمل وجهين".

رسالة لأصحاب الوجهين

أنتم تعيشون في جحيم أقنعتكم الزائفة، تتوهمون أن خداعكم يمنحكم القوة، لكنكم في الحقيقة أضعف من أن تواجهوا أنفسكم، كفى تلاعباً بالقلوب وزرعاً للخناجر في الظهور! أقنعتكم ستسقط، والحقيقة ستفضحكم عاجلاً أم آجلاً، تخلوا عن شياطينكم الخفية، واختاروا الصدق قبل أن تُصبحوا أسرى كذبكم إلى الأبد، الحياة لا ترحم من يعيشون بوجهين، فلماذا تختارون الغرق في مستنقع النفاق؟

تمت الكتابة بواسطة: حسيب أورفه لي.

موقع محترفين العرب
موقع محترفين العرب
موقع محترفين العرب البوابة الشاملة للمحتوى العربي بكل جوانبه ومجالاته.
تعليقات